الصفحة الرئيسية  أخبار عالميّة

أخبار عالميّة المعارضة السورية بسمة قضماني: نحن على استعداد للوصول الى حلّ تـوافــقي لا مكـان فيه لبشار الأسد

نشر في  14 ماي 2014  (10:56)

-النظـــام عمـل علـى وصــف الثورة بأنّها إسلامية جهادية حتى يظهر في موقع المدافع عن القيم الديمقراطية

-لا يمكــن لـنـا أن نتحــدث عن انتخــابات لأن العملية السياسية تقـــوم علــى تنافــس بـيــن شخصيات سياسية بينما جهات دولية محايدة أثبتت ان قيادات النظام هم مجرمو حرب

جمعنا لقاء مع المعارضة السورية بسمة قضماني التي حلت بتونس منذ أيام للمشاركة في ندوة حول صياغة الدساتير.. وقد كانت فرصة لإجراء حوار تطرقت فيه السيدة قضماني لعدد من القضايا التي تشغل الساحة السورية حيث أكدت أنّه لا يمكن التحدث عن انتخابات رئاسية طالما أنّ جهات دولية محايدة أثبتت أنّ قيادات النظام هم مجرمو حرب، وتساءلت قضماني: «هل نجري الانتخابات، على جثث السوريين؟»..
واعتبرت محدثتنا أنّ الوضع في سوريا، والذي اصطفت فيه قوى اقليمية وراء النظام من جهة واستقرت فيه شبكات ذات طابع سلفي وهابي متطرّف من جهة أخرى، وتشبث فيه الثوار السوريون بعدالة قضيتهم، يتطلب تدخل العدالة الدولية لتقول الكلمة الفصل لأنّه ليس هناك إمكانية للتوافق مع قادة نظام بشار الأسد مضيفة أنّ المعارضة مستعدة للوصول إلى حلّ توافقي لا مكان فيه لبشار الأسد... وفي الحوار مواضيع وأفكار ومواقف أخرى أترك لكم عناية اكتشافها.

كيف يمكن أن نفسر انزلاق الثورة السورية نحو العنف بما خلّف إلى يومنا هذا أكثر من 150 ألف قتيل؟
في سوريا انطلقت الثورة بمطالب متواضعة ومعتدلة ولم يطالب النشطاء بإسقاط النظام ولا برحيل بشار الأسد، بل طالبوا بإدخال إصلاحات جوهرية وإتاحة مساحة للحريات وإرساء مبادئ الديمقراطية، وهي مطالب رفعت منذ سنة 2000 عندما أمسك بشار الأسد بمقاليد الحكم... غير أنّ البلاد عاشت 10 سنوات إضافية من الخنق السياسي وما بين  2005 و2011 تفاقم عدد السجناء السياسيين وتكثفت الاعتقالات... وتجدر الإشارة الى أنّه كانت هناك معرفة لدى المتظاهرين بخطورة ما يمكن أن تخطط له المجموعة التي تهيمن على الحكم ناهيك أنّها كانت تعتمد على قاعدة ذات طابع طائفي وشبكة مصالح شملت أفرادا من كل الطوائف... هذا كله فضلا عن قيادات الجيش والأمن المنتمية الى الطائفة العلوية... ورغم ذلك لم يكن هناك لدى المتظاهرين السلميين أيّة نقمة ذات طابع طائفي بل كان هناك وعي بتركيبة المجتمع السوري وبالتاريخ السياسي المعاصر وحرص كبير على حماية النسيج الاجتماعي المتنوع.
تٌحملين إذن للنظام مسؤولية الإنزلاق في منعرج العنف؟
ما حصل أنّ النظام، ومن خلال تعامله مع الثورة ومطالبها، أكّد أنّه غير قابل للإصلاح  وغير مستعد للقيام بالتغييرات الضرورية وبإشراك الشعب في الحياة السياسية... وبسبب فظاعة الردود الأولى، وصلت الرسالة «أنّ النظام عدو الشعب»، ويمكن القول إنّ النظام أسّس للشرخ الأول الذي فتح باب العنف لأنّ الثورة استمرت بشكل سلمي طيلة 6 ـ 9 أشهر قبل أن تنتقل إلى مرحلة العسكرة... والملاحظ أنّ المتظاهرين لم يتلقوا أيّة أوامر موّحدة من قبل المعارضة، بل كل ما حدث، أنّه وقع ضرب من التأقلم مع واقع يتطلب حماية النفس، وتمّ حمل السلاح بشكل تلقائي...
وكيف تدرّج الوضع؟
بمرور الأيام، ارتفعت حدّة ردود فعل النظام وازدادت قسوة، إذ تتالت الاعتقالات وحملات التعذيب في السجون وهكذا انتقلنا إلى مرحلة الراديكالية في صفوف الثوار.. ولتحصين نفسه اعتمد النظام استراتيجية ثلاثية: مزيد من القمع وكذلك إثارة الفتنة الطائفية بشكل منهجي بواسطة خطاب تحريضي وأيضا استدعاء القوى الاقليمية لدعم النظام وتحويل صورة الثورة من ثورة ضدّ نظام مستبد الى صراع بين قوى طائفية وإيديولوجية..
وقد استند النظام في استراتيجيته هذه الى خطاب خشبي يقول «نحن قلعة الصمود والقومية ومقاومة النفوذ الغربي».. ويمكن القول إنّ المصيبة حلت عندما تعسكرت الثورة، حينها فقدت استقلاليتها بعد أن اضطر الثوار الى اللجوء الى الخارج فالذي يحمل بارودة بحاجة الى ذخيرة كما يقول المثل.. وبطبيعة الحال استنجد النظام بحلفائه ليدعموه بالمال والسلاح والخبرات من ايران وحزب الله ومن الشيعة العراقيين بهدف تكوين ميليشيات ذات طابع طائفي، وهنا لايمكن أن نتجاهل عامل « الهلال الشيعي» ـ ونحن نرفض هذه التسمية ـ حيث تمّ تجنيد مقاتلين من ايران والعراق وسوريا ولبنان ليحاربوا الى جانب النظام على أسس طائفية.. وقد تحججت إيران بأنّ المعركة في سوريا أصبحت إقليمية وبأنّ الثوار مدعومون من الدول الخليجية السنيّة.
لكن في نفس الوقت، دخلت شبكات إرهابية متطرفة على الخط !
صحيح، في نفس الوقت فُتح الباب أمام جهات من الخليج وبالتحديد لشبكات غير حكومية في دول الخليج (السعودية والكويت والإمارات) ذات طابع سلفي وهابي متطرف، وهي شبكات تشكل خطرا على الأنظمة التي تنتمي إليها...
ودون شك مثل احتلال العراق بداية الكارثة في المنطقة حيث إنزرعت الجهاديّة وانطلقت المتاجرة بالجهاديين، وفي سوريا، أفرج النظام عن هؤلاء الجهاديين ـ وهم معروفون بالأسماء ـ بعد انطلاق الثورة الشعبية بعدة أشهر لاستخدامهم في هذه الحرب القذرة.. لقد كان «تكتيك» النظام حاسما، حيث كان يستخدم بعض الجهاديين الذين سبق لهم أن ساهموا، وبمعرفته وتنظيمه، في محاربة القوات الأمريكية في العراق لبث الرعب في نفوس السوريين وحتى يظهر النظام في لبوس مدنية يقاوم المتطرفين.
و«داعش» في كلّ هذا؟
وبالنسبة  إلى داعش (تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام)، فهو تنظيم مكوّن من عناصر أكثر من متطرفة تستقيت من الفوضى المسلحة، عناصرها عنوانهم طهران وبغداد والنظام السوري، جاؤوا ليلوّثوا الثورة.. فنتيجة لتعمّق القمع، تشددت الثورة وكذلك عناصرها وجلبت عناصر من الخارج..
وفي نظري، فإنّ الخطر الأكبر متأت من التطرف ومن اكتساء الثورة صبغة طائفية، وقد عمد النظام إلى تحويل صورة الثورة الى حرب طائفية فضلا عن التجنيد الطائفي الذي اعتمده. وتجدر الإشارة إلى أنّ التيار الجهادي شبكة رهيبة لها امكانات مالية مذهلة... وعلاوة على المال، فلهذه الشبكة قدرة عسكرية للسيطرة على مناطق ومحاولة فرض منظومة اجتماعية غريبة على السوريين دون أن تواجه النظام عموما..
ومع هذا، لا يجب أن نغفل على انّ النظام عمل على وصف الثورة بأنّها إسلامية جهادية حتى يظهر في موقع المدافع عن القيم الديمقراطية ومحاولا ترسيخ فكرة «دوني تعمُّ الفوضى».. وفي الواقع، فهو الذي يشجع القوى المتطرفة التي تُعطي معنى و«شرعية» لوجوده. لاحظوا أنّه لا يستهدفها ولا يضربها بل يعتقل ويغتال الشخصيات المعتدلة، وكم فقدت سوريا منها منذ إندلاع الثورة !! وكلّ هذا يتنزّل في خانة بروبقندا قويّة تخصص لها أموال طائلة...
يرى البعض أنّ القوى الديمقراطية لم تتنظم بالطريقة الأفضل لفرض كلمتها على الميدان؟
القوى الديمقراطية تسلحت لكنها لم تتطرف، وهي مجموعات تعيش دون امكانات ولم يدعمها أحد.. والمشكل أنّه لمّا انفتح الباب امام دخول الأموال، أتى من قوى ذات طابع سلفي وهابي جهادي.. وكانت المعارضة تتأرجح بين البحث عن توافق بين القوى السياسية وبين تحديد هوية التيارات السياسية المعارضة.. كما التحقت بالمجلس الوطني السوري  ثمّ بالائتلاف الوطني السوري للمعارضة، قوى إسلامية وقومية وديمقراطيون ويساريون
وبينما كانت القوى الديمقراطية مترددة حول عسكرة الثورة، حسمت القوى الاسلامية موقفها بأكثر سرعة لأنّها مرت بتجربة «حماة» والتي أسست لوعيها وكان موقف هذه الأطراف: «إذا كان النظام قادرا على ما فعله في «حماة» فإنّه لن يستجيب لمطالب سلمية وعاقلة. ومن المشكلات التي واجهتها المعارضة الديمقراطية غير الطائفية هو المال الذي غذى التيار الاسلامي المتطرف وجعل ائتلاف المعارضة بقواه المعتدلة ضعيف المصداقية ومتردد في بناء علاقة مع القوى العسكرية على الميدان... وضعف الثقة هذا، انعكس بانقسام عسكري على الأرض...
أكبر جريمة بحق سوريا هو أنّ القوى الديمقراطية بقيت دون دعم، وهي عموما قوى غير متحمسة للقتال بل تسعى لحماية مناطق يمكن أن يعيش فيها المدنيون بسلام. ولهذا السبب وغيره، تقلص نفوذ القوى الديمقراطية، والكلّ يعرف أنّ المال  اصبح عصب الثورة، ولو توفّر الدعم المادي بالشكل الكافي لإختلفت موازين القوى داخل الثورة ولعادت فئات من المتطرفين الى الكتائب المدنية...
والانتخابات القادمة كيف ترونها اليوم؟
نحن لا نسميها انتخابات، فالنظام عزل أكثر من نصف الأراضي السورية، وستجرى الانتخابات في المناطق التي يسيطر عليها فقط (أي 40 ٪ الى 50 من الأراضي السورية)... مع الإشارة إلى الأعداد الكبيرة من المواطنين الذين ضاعت هوياتهم واللاجئين الممنوعين من التصويت  وكذلك النازحين الذين يتحكم النظام في لقمة عيشهم... وفضلا عن ذلك فقيادات نظام بشار ارتكبت جرائم تبرر تقديمهم الى المحاكم الجنائية ولا يجوز أن نتحدث عنها كشخصيات سياسية... فأي مصداقية للعملية الانتخابية ونحن نشاهد ـ على سبيل المثال ـ ملف «قيصر» الذي يوّثق لأكثر من 11 الف سجين قضوا تحت التعذيب في ثلاث سجون فقط  والذي تذكرنا صوره بالهولوكست.. يقول بشار الأسد: «ستنتخبونني»!! فهل تتمّ الانتخابات على جثث السوريين؟ وهل بعد القصف والتجويع يمكن أن نتحدث عن انتخابات وعن تجديد الشرعية؟ المواطن السوري يعرف انّ الانتخابات القادمة مهزلة لا أكثر ولا أقل...
تخيلوا أن يُقال اليوم للتونسيين هل تنتخبون بن علي من جديد؟ هل تقبلون بذلك ولو أنّ الفارق كبير بين بشار الأسد وبن علي... فالأول، فضلا عن استبداده وفساده، قام بجرائم إبادة ضدّ الشعب، فكيف يمكن أن ننتخبه مجددا؟
ماذا يتطلب الوضع إذن؟
إنّ الوضع يتطلب تدخل العدالة الدولية إذ لم يتدخل أيّ كان لحماية الشعب السوري، نحن حريصون على استقلاليتنا، لأنّ هذا تاريخنا والشعب أثبت بأنه مستعد للقتال  من أجل حريته  ونفضل أن نذهب للمسار القضائي حتى يقول كلمته لأنّه الحل الوحيد الكفيل بإظهار الحق فطريق الحل السياسي مسدود حتى الآن .. نحن نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة وعلى النسيج المجتمعي السوري.. وهدفنا هو التخلص من المسؤول عن  تدمير مؤسسات الدولة  والمجتمع.
هل من صورة ميدانية تكون أصدق انعكاس عمّا يحدث في سوريا؟
لن أتحدث عن البشاعات، لأنّ هناك دائما صورا تعيد فينا الأمل، وسأتحدث عما يحدث في منطقة دوما  أكبر مدينة في الغوطة الشرقية وهي مدينة محررة من النظام الذي يحاصرها منذ أكثر من 18 شهرا.. في هذه المنطقة المدمرة والتي تشبه ستالينغراد،  يوجد مجلس محلي بلجان في كل المجالات: صحة، تعليم، طب وإدارة لتصريف أمور الناس.. في هذه المدينة يحاول الأهالي زرع الحياة رغم الدمار وإرادتهم مذهلة بأتم معنى الكلمة...
وعندما نشاهد هذا، نقول كقوى ديمقراطية: نريد حلاّ توافقيا ولا نريد الحسم العسكري لأنّنا نعرف تداعياته.. ونحن نأمل في إيجاد حل سياسي لا مكان فيه لبشار ونقول إنّنا لن نمس بأمن الطائفة العلوية وسنعمل على ضمان سلامتها وعلى مقاومة المتطرفين والتخلص من المقاتلين غير السوريين. نعلم ان النظام غير قادر على أن يصمد دون دعم حزب الله وإيران فهو ساقط حتى لو نظم تمثيلية انتخابية.


حاورتها: شيراز بن مراد